يهلك نفسه ، حتى قال ربنا سبحانه : «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً» (١).
ويبدو أنّ الذين اخطؤوا في فهم الآية قادهم إلى ذلك التصوير الفنّيّ في تعبير القرآن : «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ» ، والذي هو أسلوب شائع في آياته الكريمة.
(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)
أي جمع آياته فلا يضيع شيء منها ، والكلمة تتسع إلى معنى التأليف والنظم ممّا يهدينا إلى أنّه تعالى حفظ القرآن عن التحريف بزيادة أو نقيصة ، وتكفّل هو بتأليف آياته سورا سورا ، فليس ترتيبه على هذه الطريقة التي بين أيدينا من فعل المسلمين ، بل من فعل رسول الله (ص) بأمر الله عزّ وجلّ ، الذي تكفّل إضافة إلى ذلك بقراءته للناس بالكيفية الصحيحة التي يريدها هو أن يقرأ بها كتابه. ولعل في ذلك إشارة إلى بطلان فكرة القراءات السبع ، وأنّها من عند القرّاء أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان. بلى هناك قراءة صحيحة علّمها الله لنبيه فعلّمها بدوره المسلمين.
وقول الله تعالى : «إنّ علينا» لا يعني أنّه بذاته يجمعه ويقرأه ، كلّا .. بل أنّه سبحانه قد هيّأ الأشخاص الذين يقومون بهذا الدور والظروف التي تساعد على تحقّق هذه الغاية ، فلم يتوفّ نبيّه حتى بلغ كامل رسالته وقرأها للناس ، بل وكتبت بأمره مبيّنا ترتيب السور والآيات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الإمام علي (ع) كان أوّل من كتب كامل القرآن وجمعه في حياة الرسول (ص) وبعده ، وهذا من أهمّ الأدوار الحضارية التي قام بها
__________________
(١) الكهف / ٦.