ـ عليه السلام ـ ، لأنّ اندثار القيم الحضارية لأيّ أمّة يعني نهاية الأمّة ، فقد تنحرف مسيرتها ومسيرة قيادتها لفترة من الزمن فتبقى القيم ضمانة العودة ، أمّا لو خرقت القيم نفسها فلا ضمانة لعودتها .. وهذا ما يجعل تعهّد الله بجمع القرآن وبقرآنه وبيانه ضرورة حكيمة تقتضيها حكمته البالغة باعتبار الإسلام دين الإنسان إلى يوم القيامة ، لا يجوز له أن يبتغي غيره ، فكيف يسمح ربنا اللطيف أن تضيع على البشرية فرصة الهداية بتحريف القرآن؟
(فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)
قال في المجمع : أي قرأه جبرئيل عليك بأمرنا «فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» أي قراءته ، والمعنى : اقرأه إذا فرغ جبرئيل عن قراءته ، وقيل : أي فاعمل بما فيه من الأحكام والحلال والحرام (١) ، وفي النصوص أنّ القرآن أنزل جملة واحدة على الرسول في ليلة القدر في شهر رمضان ، فكان يأمره الله حسب حكمته بقراءته على الناس في المناسبات المختلفة. وكانت الحكمة الإلهية تفرض على الرسول التحرك في المجتمع على ضوء ما يقضى إليه من الآيات وبقدره ، ليبني المجتمع الإسلامي النقي ، ومن ثمّ الأمة الإسلامية الحنيفة على ضوء آيات الوحي ، ويتمّ ـ بالتالي ـ تثبيت فؤاد النبي وسائر المؤمنين عبر القرآن ، وهكذا لم ينزل القرآن لمجرد قراءته وحفظه ، بل حتى يطبّقه الناس ويتبعوا هداه في الحياة.
وهذا يهدينا إلى أنّ الله يوفّق الإنسان لفهم آيات الذكر بما يتم عليه حجته البالغة ، فإن آمن واتبع هداه نوّر قلبه بالمزيد من المعرفة ، وإن كفر جعل قلبه قاسيا ، وطبع عليه بكفره.
ولعل في ذلك بصيرة يحتاجها كل داعية رسالي ألا وهي ضرورة تحدي انفعالاته
__________________
(١) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٩٧.