(وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ)
ظن يقين يصل إلى حدّ التصور وشبه الرؤية ، فإنّه حينئذ يعاين حقيقة الموت والآخرة فإذا به يقبض يدا ويبسط أخرى ، وهكذا يعالج سكرات الموت بروحه وحركاته اليائسة.
(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ)
عن قتادة : هما ساقاه عند النزع ، أما رأيته كيف يضرب بإحدى رجليه على الأخرى؟ وقال الحسن : هما ساقاه إذا التفّتا في الكفن ، وقيل : إذا مات يبست ساقاه والتصقت إحداهما بالأخرى (١) ، وعن الشعبي وأبي مالك : لأنّه يذهب بالقوة فيصير كجلدة يلتفّ بعضها ببعض ، وقيل : يضطرب فلا يزل يمدّ إحدى رجليه ويرسل الأخرى. ولعلّ الآية كناية عن الشدائد والصعاب التي يواجهها الإنسان عند الموت ، وقد وجدت إشارة إلى هذا المعنى في تفسير القرطبي قال : أي فاتصلت الشدة بالشدة ، شدة آخر الدنيا بشدة أوّل الآخرة ، قاله ابن عباس والحسن وغيرهما .. وقال الضحاك : اجتمع عليه أمران شديدان .. والعرب لا تذكر الساق إلّا في المحن والشدائد العظام ، ومنه قولهم : قامت الدنيا على ساق ، وقامت الحرب على ساق (٢).
وحينما يفارق الإنسان هذه الدنيا بما فيها ومن فيها فإنّه لا يصير إلى العدم ، وإنّما ينتقل من فراقها إلى لقاء عظيم بربه.
(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٣٢.
(٢) الجامع لأحكام القرآن / ج ١٩ ص ١١٢.