يغيّر تكذيبه من الحقائق شيئا؟ كلّا .. فليكذّب بالموت فهل يمكنه أن يلغيه ، أو يجد مفرّا من ملاقه؟ بالطبع كلا .. فحركته نحونا وحركتنا نحوه سنّة حتمية ، وكذلك بالنسبة لمواقف القيامة. وعند ما يواجه الإنسان المحنة الفاقرة في الدنيا تتساقط الحجب من عينيه فيرى الحقائق بوضوح ويعترف بها بصراحة ، ويندم حتى الأعماق على ما كذّب به ، ولا محنة أعظم من الموت ، ولا ساعة أشدّ على الإنسان في الدنيا من ساعة السكرات.
(كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ)
وهي عظم وصل بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين (١) ، وقال صاحب المجمع : التراقي جمع الترقوة ، وهو مقدّم الحلق من أعلى الصدر ، تترقّى إليه النفس عند الموت ، وهناك تقع الحشرجة (٢) ، ويقال : بلغت الروح التراقي كناية عن صعودها وقرب خروجها من البدن ومفارقتها له ، ولعلّها حقيقة يعانيها الميت عند سكرات الموت.
(وَقِيلَ مَنْ راقٍ)
أي وقال أهله : من راق؟ أي طبيب شاف يرقيه ويداويه ، وقيل : تختصم ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيّهم يرقى بروحه (٣) ، وبه قال الرازي والزمخشري وصاحب تفسير فتح القدير. ولعل المعنى من الرقية (الأدعية والتعويذات التي تكتب في قرطاس للتشافي بها) وكأنّ المعنى أنّ أهله أو هو نفسه يسألون عمّن يكتب له ذلك طمعا في الشفاء.
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٣٠.
(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٤٠٠.
(٣) المصدر / ص ٤٠١.