لحياته ، وإلّا لأعدمت أو تحوّلت جحيما لا يطاق ، وأبرز ذلك خلقته : كيف حملته يد اللطف من صلب أبيه حيث كان حيوانا منويّا لا يرى إلى رحم أمه ، وأجرى له من الطعام والشراب ، وضمن له من السلامة والأمن حتى أصبح علقة ، ثم رعاه وحماه وربّاه حتى جعله خلقا سويّا .. فهل يعقل أن يترك في المستقبل سدى وهو لم يترك كذلك سلفا ، بل لا شيء في كيانه ترك بلا هدف أو غاية؟
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)
وكما أنّ هذه المراحل حتمية بالنسبة للإنسان فإنّ الآخرة هي الأخرى حتمية ، والفكرة هذه تفسّر ربط القرآن الدائم بين الحديث عن الآخرة والحديث عن مراحل خلقة الإنسان وأطواره ، التي يهتدي المتدبر فيها إلى معرفة ربه حيث هي آيات لطفه وحكمته وقدرته. وبعد تفكّر البشر في نفسه وخلقه يجب أن يطرح على نفسه هذا السؤال الحاسم
(أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى)
ولن يجد أحدنا جوابا لهذا السؤال إلّا أن يقول : بلى. وحينئذ سيؤمن بيوم القيامة وحقائق الآخرة ، لأنّ الشك في فكرة الآخرة منبعث من الجهل بقدرة الله النافذة التي لا تحدّ.