وقد اختلفوا في حرف «هل» ، فقال بعضهم : أنّه هنا بمعنى (قد) ، وقال آخرون : بل هو استفهام تقريري ، يعرف السائل الجواب سلفا ، وإنّما يطرح الكلام لأخذ الإقرار من الطرف الآخر.
ويبدو لي أنّ الكلمات تبقى بمعناها اللغوي عند الاستعمالات الأدبية المختلفة ، إلّا أنّ هدف الاستخدام يختلف حسب السياق ، فهل هنا ـ مثلا ـ جاء بمعنى الاستفهام ، أمّا لما ذا جاء الاستفهام؟ فهو ليس شأن الكلمات إنّما هو شأن الذي استخدمها. ويكون مثل ذلك في عالم الماديات : السيارة التي تقوم بحمل الإنسان. أمّا إلى أين ولما ذا يتحرك الإنسان؟ فهذا ليس شأنها إنّما هو شأنه.
ولقد فسّر أئمة الهدى هذه الآية عدة تفاسير ممّا كشف عن أبعادها المتنوّعة ، فعن مالك الجهني قال : سألت أبا عبد الله الإمام الصادق (ع) عن قوله : «الآية» فقال : «كان مقدّرا غير مذكور» (١) ، وعن زرارة قال سألت أبا جعفر (الإمام الباقر) ـ عليه السلام ـ عن قوله : «الآية» فقال : «كان شيئا ولم يكن مذكورا» (٢) ، وعن الباقر (ع) قال : «كان مذكورا في العلم ، ولم يكن مذكورا في الخلق» (٣). وهكذا روايات أخرى كثيرة تهدينا إلى أنّ الإنسان يمرّ قبل وجوده المادي في الحياة بمرحلتين هما :
الأولى : عالم التقدير في علم الله.
الثانية : عوالم النشأة ، مثل عالم الأشباح (الأرواح) ، عالم الذرّ ، عالم
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٤٦٨.
(٢) المصدر.
(٣) المصدر.