الأصلاب ، ثم عالم الأرحام ، فعالم الدنيا ، وفي تلك العوالم وقبل عالم الدنيا كان الإنسان شيئا ـ في علم الله ـ ولم يكن مذكورا عند الخلق لضآلته المتناهية.
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ)
أي مختلطة ، قال الإمام الباقر (ع) : «ماء الرجل والمرأة اختلطا جميعا» (١) ، كما أنّها مختلطة من الناحية المعنوية إذ تحمل الصفات الوراثية والنفسية والشكلية من الطرفين بما يمثّلانه من امتداد في التاريخ والمجتمع كالأجداد والآباء والأخوال ، وقد أشار الإمام علي (ع) إلى هذا المعنى إذ وصف الإنسان بقوله : «ومحطّ الأمشاج من مشارب الأصلاب» (٢) ، ومن ناحية ثالثة يعيش الإنسان ثنائية هامة ، فهو في البداية خليط من تطلّعات الفطرة والعقل والإيمان ، وشهوات الهوى والجهل والجحود ، بين جنود الرحمن ، وأعوان الشيطان.
وهكذا كلّ شيء في الإنسان يحتمل نزعتين ، وصبغتين ، ومنهجين ، ووجهتين : الحق والباطل ، الله أو الشيطان ، العقل أو الجهل ، الإيمان أو الجحود ، الجنة أو النار ، ويبدو أنّ هذه الثنائية أقرب إلى كلمة الأمشاج لأنّ شأن الثنائيات (الاختلاط بين ماء الرجل وماء المرأة ، أو بين مختلف العوامل الوراثية من الآباء والأمّهات) مقدمة لهذه الثنائية ، ويدلّ على ذلك بيان حكمة الابتلاء بعد بيان الثنائية.
(نَبْتَلِيهِ)
ولا يصدق الابتلاء في حياة الإنسان حتى يكون مختارا ، وذلك بأن تكون
__________________
(١) المصدر / ص ٤٦٩.
(٢) المصدر نقلا عن نهج البلاغة.