خلقته خليطا من نزعتين وتطلّعين : أحدهما الخير والآخر الشر. ومن الضروري للإنسان وهو يمارس الحياة ونعمة الوجود أن يعرف بأنّ الابتلاء جزء من وجوده ، من دونه تصبح حياته بلا معنى بلا روح وبلا هدف .. تماما كتفّاحة فاسدة لا طعم لها ولا رائحة ، أو كماء آسن لا ينفع سقيا ولا طهورا.
وإطلاق كلمة الابتلاء يدلّنا على أنّ الإنسان ممتحن بكلّ شيء يتصل به خيرا كان أو شرا ، وأوّل ما يبتلى به نعمة الخلق ، فهل يشكر ربه عليها حيث خلقه وأوجده ولم يكن شيئا مذكورا أم يقابله بالجحود والكفران؟ قال الإمام الباقر (ع) : «إنّ النبيّ قال لعليّ (ع) : قل : ما أوّل نعمة أبلاك الله عزّ وجلّ وأنعم عليك بها؟ قال : أن خلقني جلّ ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا ، قال : صدقت» (١)
وحيث أراد ربنا امتحان الإنسان وفرّ من جهته الشروط والمستلزمات التي تجعل البشر مسئولا عن الامتحان فتكون حجة عليه عند ما يكفر ، ووسيلة لصالحه عند ما يريد الإيمان والشكر.
(فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً)
والسمع والبصر نافذتان لعقل الإنسان على الخليقة ، وهما أهمّ أدوات المعرفة عنده ، وبالتالي أبرز وسائل الإختيار ، فبسمعه يتلقّى نصائح الآخرين وتجاربهم ، وببصره وبصيرته يرى ويقلّب وجوه الأمور ثم يختار لنفسه الموقف والطريق ، وذلك يكفي دافعا يحمّله المسؤولية ويقيم عليه الحجة ، ولكنّ الله أبى إلّا أن تكون له الحجة البالغة عليه فهداه السبيل مبيّنا له الحق والباطل والصواب والخطأ.
(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ)
__________________
(١) المصدر.