والحق في كلّ ميدان من الحياة ، لينطلق بالنهار على هدى من ربه ، وبين يديه بلسم لكلّ داء ، وحلّ لكلّ مشكلة ، ورؤية صائبة في كلّ قضية وحركة في الحياة ، فردية أو اجتماعية ، وفي أيّ حقل من حقولها ، بلى. إنّ قراءة القرآن بذاتها بركة وحسنة عظيمة ، ولكنّ هدف القرآن أعظم من مجرد التبرك ، بل إنّ خيره الأكبر لا يحصل إلّا باستثارة العقل به ، وتدبّر معانيه. أولم تسمع قول الله عزّ وجلّ : «كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ»؟ والتدبّر فيه ليس لمجرد الفهم وإنّما للعمل والتطبيق أيضا ، ولهذا يربط القرآن نفسه بين ترتيله بالليل والسبح الطويل بالنهار. ولأنّ القراءة بذاتها ليست هدفا يأمرنا الله بقراءة آياته على وجه مخصوص هو الترتيل.
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)
والترتيل هي القراءة الحسنة والمتأنّية المصحوبة بالتفكر والتدبر ، فعن عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا عبد الله (الإمام الصادق عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : «الآية» ، قال «قال أمير المؤمنين (ع) : بيّنه بيانا ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة» (١) ، وقال الإمام الصادق (ع) : «إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة (بسرعة) ولكن يرتّل ترتيلا ، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها ، واسأل الله ـ عزّ وجلّ ـ الجنة ، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها ، وتعوّذ بالله من النار» (٢) ، وقال ـ عليه السلام ـ : «هو أن تتمكّث فيه ، وتحسّن به صوتك» (٣) ، وعن أمّ سلمة : كان رسول الله يقطّع قراءته آية آية (٤) ، وعن أنس
__________________
(١) تفسير نور الثقلين / ج ٥ ص ٤٤٦.
(٢) المصدر.
(٣) المصدر ص ٤٤٧.
(٤) المصدر.