قال : كان يمدّ صوته مدّا (١) ، ويصف الإمام علي ـ عليه السلام ـ المتقين كيف يتعاملون مع القرآن عند قيام الليل فيقول : «أمّا الليل فصافّون أقدامهم ، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلا ، يحزّنون به أنفسهم ، ويستثيرون به دواء دائهم ، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقا ، وظنّوا أنّها نصب أعينهم ، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم ، فهم حانون على أوساطهم ، مفترشون لجباههم وأكفّهم وركبهم ، وأطراف أقدامهم ، يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم» وهذا ينعكس بالنهار على شخصياتهم ماديا ومعنويا ، حيث يضيف الإمام ـ عليه السلام ـ قائلا : «وأمّا النهار فحلماء علماء ، أبرار أتقياء» (٢).
والمعنى اللغوي للترتيل يلتقي مع ما تقدّم ، يقال : رتل الشيء : تناسق وانتظم انتظاما حسنا ، فهو رتل ، ورتّل الكلام : أحسن تأليفه إلى بعضه ، والقرآن تأنّق في تلاوته ، والرتل في المصطلح العسكري صفّ الجنود أو الآليات المتراص ، وقيل : خفض الصوت عند القراءة (٣).
[٥] ويبيّن الله واحدة من الخلفيات الأساسية التي تكشف أهمية قيام الليل ، وذلك ببيان دوره الأساسي في بناء الشخصية الرسالية القادرة على تحمّل مسئولية الوحي ، فالأمانة الإلهية ثقيلة لأنّها تخالف أهواء الإنسان وحبّه للراحة والاسترسال ، والموقف السليم منها ليس الهروب من حملها ، وإنّما العروج بالنفس إلى مستوى حملها بالتزكية والتربية والتعليم من خلال البرامج المختلفة ، ومن بينها واهمّها قيام الليل على الوجه الذي أشارت إليه الآيات الآنفة.
__________________
(١) المصدر.
(٢) نهج البلاغة خ ١٩٣ ص ٣٠٤.
(٣) المنجد / مادة رتل بإضافة وتصرف.