(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)
قال عبد الله بن عمر : أي سنوحي إليك قولا يثقل عليك وعلى أمتك (١) ، وقيل «ثقيلا» : لا يحمله إلّا قلب مؤيّد بالتوفيق ، ونفس مؤيّدة بالتوحيد ، وقيل : عظيم الشأن ، كما يقال : هذا كلام رصين ، وهذا الكلام له وزن إذا كان واقعا موقعه (٢) ، وقيل هو : ثقيل في الميزان يوم القيامة ، وقال القرطبي : هو متّصل بما فرض من قيام الليل ، أي سنلقي بافتراض صلاة الليل قولا ثقيلا يثقل حمله ، لأنّ الليل للمنام ، فمن أمر بقيام أكثره لم يتهيّأ له ذلك إلّا بحمل شديد على النفس ، ومجاهدة الشيطان ، فهو أمر يثقل على العبد (٣) ، وذهب البعض إلى تفسير ماديّ لمعنى الثقيل مستدلا بمرويّات غير محقّقة كقول عائشة : إنّه كان ليوحى إلى رسول الله (ص) وهو على راحلته فتضرب بجرانها (٤) (أي تضرب بمقدّم عنقها إلى مذبحها الأرض) وفي رواية : كانت تبرك الدابة على الأرض من ثقل الوحي. وأنّ جبين الرسول (ص) ليرفض عرقا (٥).
والذي أختاره : أنّ الثقل هو الثقل المعنوي قبل أن يكون الثقل المادي ، وإذا صحّت الروايات المتقدمة حول ما يتركه نزول الوحي من أثر ماديّ على رسول الله (ص) وعلى دابته من باب «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ» فإنّها مظاهر ودلالات على الآثار والحقائق المعنوية ليس إلّا. ولا ريب أنّ القرآن قول ثقيل باعتباره يحمّل الإنسان مسئوليات عظيمة كمسؤولية الاستقلال والتغيير والتزكية وتحدّي الباطل ، ولذلك فالإنسان بحاجة إلى قيام الليل
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٤٤٧.
(٢) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٧٨.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ج ١٩ ص ٣٨.
(٤) تفسير نور الثقلين / ج ٥ ص ٤٤٧.
(٥) المصدر.