ليسموا إلى احتماله ، وهكذا تجد السياق يبيّن الصلة بين ثقل القرآن وبين قيام الليل ، فيبيّن أنّ الصلاة والتهجّد والحالة النفسية المنبعثة منها إذا نشأ كلّ ذلك بالليل كان أفضل منه إذا نشأ بالنهار.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ)
والناشئة في اللغة من نشأ الليل أي أحدثه ، والله : خلقه ، والحديث أو الكلام : وضعه وابتدأه ، وسمّيت ساعات أول الليل ناشئة لابتداء الليل بها (١) ، وعندنا : ما ينشأ باللّيل من عبادة روحانية أو بصيرة عقلانية أو حكمة ربانية. أمّا المفسرون فذهبوا إلى قولين : أحدهما : أنّها ركعتان بعد صلاة المغرب (لعلها الغفيلة ، وقيل غير ذلك) (٢) ، والآخر : أنّها قيام الليل ، ففي مجمع البيان عن الباقر والصادق (ع): هي القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل) (٣) ، وهو الأقرب إلى سياق السورة كما سبق.
(هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً)
وشدة الوطأ بمعنى ثبات القدم الذي يعكسه ثقل الوطأة وشدّتها ، فالوطأة الشديدة على الأرض أثبت للقدم ، قال قتادة : أثبت في الخير (٤) ، وقال الفرّاء : أشد ثبات قدم ، لأنّ النهار يضطرب فيه الناس ، ويتقلّبون فيه للمعاش (٥). ولا ريب أنّ الاستقامة على طريق الرسالة أمر مستصعب بحاجة إلى الإرادة الصلبة والروح العالية ، حتى يواجه الإنسان بهما تحديات الاستقامة على الحق ... وقيام الليل
__________________
(١) المنجد / مادة نشأ.
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ص ٤٤٨ نقلا عن الكافي.
(٣) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٧٨.
(٤) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٧٨.
(٥) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٧٥.