وإنّ تحسيس المؤمن في الجنة بأنّ كلّ تلك النعم العريضة الواسعة هي شكر لأعماله وجزاء إخلاصه إنّ هذا التحسيس بذاته كرامة جديدة لأهل الجنة ونعمة كبيرة ، إذ يجعلهم في نهاية الراحة النفسية أنّ اختيارهم في الدنيا كان صائبا وأعمالهم كانت مقبولة.
[٢٣ ـ ٢٦] وحيث حدّثنا ربّنا عن نعيم الأبرار فإنّ نفوسنا لا ريب ستتوق إليه ، والقرآن يستجيب لهذه الصفة الفطرية بتوجيه تمنيات الإنسان وتطلعاته ضمن قناتها الصحيحة حيث العمل بالمنهج الحق الموصل إلى ذلك النعيم ، ومن هذا المنطلق تأتي الإشارة إلى القرآن الكريم.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً)
أي منجّما وليس دفعة واحدة ، وذلك يتماشى مع هدف القرآن ، وهو بناء شخصية الأبرار في كلّ الأبعاد ، حتى يرتقي إلى قمّة ذلك الرضوان والنعيم الإلهي السامقة درجة درجة. ومن أراد الوصول إليها فإنّ الطريق واحد ، وهو أن يترك الأماني والظنون المجردة إلى السعي والاجتهاد على هدى كتاب الأبرار والسمو عبر معراج آياته. وهذا بحاجة إلى الصبر على العقبات ، فإنّ طريق الجنة عموما محفوف بالمكاره فكيف إذا كان الهدف هو أعلى درجاتها وأفضلها (درجة الأبرار)؟
إنّ بلوغ هذا الهدف العظيم يستدعي الحقائق التالية :
أولا : التسليم المطلق لقضاء الله وقدره ، وسننه في الخليقة وشرائعه.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)
وحكم الله هو تدبيره لخلقه ورسالته إلى الناس ، والمؤمن بحاجة إلى الاستقامة