وحشتي ... ولا تقطعني عنك ، ولا تبعدني منك ، يا نعيمي وجنتي ، ويا دنياي وآخرتي» (١).
وفي مناجاة كريمة أخرى يقول ـ عليه السلام ـ : «... وغلّتي لا يبرّدها إلّا وصلك ، ولوعتي لا يطفيها إلّا لقاؤك ، وشوقي إليك لا يبلّه إلّا النظر إلى وجهك ، وقراري لا يقرّ دون دنوّي منك ، ولهفتي لا يردّها إلّا روحك ، وسقمي لا يشفيه إلّا طبّك ، وغمّي لا يزيله إلّا قربك ... فيا منتهى أمل الآملين ، ويا غاية سؤل السائلين ، ويا أقصى طلبة الطالبين ، ويا أعلى رغبة الراغبين ... أسألك أن تنيلني من روح رضوانك ، وتديم عليّ نعم امتنانك» (٢).
ونلاحظ أنّ إيحاء الآيات ينتهي إلى هدف واحد هو بيان أنّ الأبرار في راحة تامّة عند ربّهم في الآخرة ، «متكئين ، دانية ، ذلّلت ، يسقون ، يطوف عليهم ، وسقاهم ربّهم» وذلك لأنّهم في الدنيا يتعبون أنفسهم في خدمة الناس وبالأعمال الصالحة لوجه الله ، ويمسّهم من ذلك الكثير من التعب ، وليس أنسب لتسكين أنفسهم وإشباع تطلعاتهم من بيان ما يصيرون إليه من الراحة في الآخرة.
(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)
وهذا جواب نيتهم الخالصة لوجهه تعالى وقولهم : «إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً» ، فحيث ترفّعوا عن أيّ رياء ومطمع ماديّ من وراء عملهم الصالح وإنفاقهم في سبيل الله جازاهم ربّهم على ذلك خير الجزاء وشكر سعيهم بأفضل الشكر.
__________________
(١) مناجاة المريدين / الامام السجاد / مفاتيح الجنان.
(٢) مناجاة المفتقرين / المصدر.