أمير المؤمنين (ع) قبل دخولهم إلى الجنة فيطهّرهم من كل عيب ودنس. وقال الرازي : وإنّه المطهّر (١).
ويبدو لي أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يسقي الأبرار ذلك الشراب بصورة غيبية ، لا عن طريق الولدان ، إكراما لهم منه عزّ وجلّ. ولكن ما هذا الشراب الطهور الذي يسقيهم الربّ بيده؟ هل شراب سائل كالماء والخمر والعسل واللبن ، أم هو شراب الودّ والقرب والحبّ والنجوى؟
لأنّ الأدب القرآني أدب تصويري يهدينا من ظاهر الأحداث إلى غيب الحقائق فإنّ لنا أن نتصوّر أنّ الشراب الربّاني ليس مجرد شراب مادي ، وحتى لو كان كذلك فإنّه حين يكون الساقي هو الربّ الباقي فإنّه يتحول من نعمة مادية إلى درجة معنوية دونها كلّ درجة ، فأيّ كرامة أعظم من إقامة صلة قريبة بين العبد هذا المخلوق المتضاءل المتناهي في الضعف والعجز وبين الربّ العظيم المتعال ، وأيّ نشاط يسري في نفس العبد هذا ، وأيّ جمال يغمر فؤاده ، وأيّ سكينة تغشى نفسه ، وأيّ عزّة تحيط كيانه .. سبحان الله! لا علم لنا ، ولا ندري ما نقول.
إنّ مثل الإمام زين العابدين ـ عليه السلام ـ حريّ بوصف تلك اللحظات التي يقترب العبد فيها من الربّ حين يقول :
«فقد انقطعت إليك همّتي ، وانصرفت نحوك رغبتي ، فأنت لا غيرك مرادي ، ولك لا لسواك سهري وسهادي ، ولقاؤك قرّة عيني ، ووصلك منى نفسي ، وإليك شوقي ، وفي محبتك ولهي ، وإلى هواك صبابتي ، ورضاك بغيتي ، ورؤيتك حاجتي ، وجوارك طلبي ، وقربك غاية سؤلي ، وفي مناجاتك روحي وراحتي ، وعندك دواء علّتي ، وشفاء غلّتي ، وبرد لوعتي ، فكن أنيسي في
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ٢٥٤.