والذي يظهر لي أنّ الآية تشمل المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ولكنّهم يرتكبون الإثم ويريدون الباطل ، كما تشمل الكفّار الذين يبالغون في الكفر ويعادون الحقّ بصورة صريحة وظاهرة.
ثالثا : الروحيّة العالية ، وذلك لأنّ هزيمة الإنسان وانتصاره واستقامته وتراجعه كلّ أولئك يرتكز على قوة إرادته وصلابة شخصيته ، فعلى المؤمنين أن يشحذوا عزائمهم ، ويوفّروا إرادتهم ، وينمّوا قوة شخصياتهم ، حتى يرتفعوا إلى مستوى الالتزام بالرسالة ومقاومة التحديات في الدنيا ، وإلى مستوى الأبرار ونعيمهم في الآخرة. وذكر الله الدائم وصلاتهم بالليل هما معراج المؤمنين إلى تلك الفضيلة والمنزلة ، لذا يدعو القرآن رسول الله وكلّ فرد مؤمن إلى الذكر والصلاة.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً* وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً)
والبكور هو أول الصباح ، والأصيل هو أول الليل وأصله ، والمراد هو المداومة على الذكر نهارا وليلا. وقيل : «بكرة» يعني صلاة الصبح ، و «أصيلا» يعني صلاتي الظهر والعصر ، «ومن الليل» إشارة إلى صلاتي المغرب والعشاء اللتان تقعان في بعض الليل من أوله ، «وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً» يعني «صلاة الليل» (١) روي ذلك عن الإمام الرضا (ع). وتأكيد الله على مفردات معينة في الآيتين لحكمة ، فقد قال الله : (اذكر ، اسجد ، وسبح) وكلّها تتمحور حول قيمة التوحيد وتأكيد العبودية لله ، وذلك هو سر الفضيلة والتسامي على الضغوط والتحديات التي تدعو الإنسان إلى الشرك.
[٢٧ ـ ٣١] وبعد أن فصّل لنا القرآن الحديث عن الأبرار الذين يختارون
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٤٨٩.