سبيل الشكر والهدى ، وأنّ إيمانهم باليوم الآخر وخوفهم منه عامل رئيس في اختيارهم طريق الحق وسلوكهم السليم في الحياة ، يؤكّد لنا بأنّ مشكلة الكفّار التي دعتهم إلى الإثم والضلال تتمثّل في حبهم الشديد للدنيا وكفرهم بالآخرة.
(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً)
ومن الآية نفهم أنّ حبّ الدنيا هو الحجاب الذي يحول بين الإنسان وبين الإيمان بالآخرة ، وأنّ الطريق لخرق هذا الحجاب هو حضور يوم القيامة العصيب في وعيه بتذكّر مواقفه الرهيبة ومشاهده الثقيلة.
(نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ)
قال صاحب المجمع : الأسر أصله الشدّ ، ومنه قتب مأسور : أي مشدود ، ومنه الأسير : لأنّهم كانوا يشدّونه بالقيد ، وقولهم : خذ بأسره بشدّه (١) ، «وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ» أي قوّينا وأحكمنا خلقهم عن قتادة ومجاهد ، وقيل : أسرهم : أي مفاصلهم عن الربيع ، وقيل : أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب ، ولو لا إحكامه إيّاها على هذا الترتيب لما أمكن العمل بها والانتفاع منها ، وقيل : جعلناهم أقوياء عن الجبائي ، وقيل معناه : كلّفناهم وشددناهم بالأمر والنهي كيلا يجاوزوا حدود الله ، كما يشدّ الأسير بالقيد لئلّا يهرب (٢).
ولعل المعنى هو ظاهر الأسر ، فإنّ ذلك يتناسب مع الشطر الثاني للآية ، وينسجم مع السياق ، فحيث بيّن الله حبّ الكفار للعاجلة ، ومن ثم تركهم الآخرة والالتزام بأوامر الله ونواهيه ، وإطلاقهم العنان لأنفسهم في الأهواء والشهوات ، أراد
__________________
(١) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٤١٢.
(٢) المصدر / ص ٤١٣.