أن يؤكّد بأنّه لا يعصى عن غلبة أبدا. وهذا ما يستدعي التأكيد على حاكمية الله في الإنسان وهيمنته عليه ، وأنّ حوله منه وقوته به ، وأنّه لا حول ولا قوة له ذاتية.
ولعل استخدام كلمة الأسر هنا للإيحاء بأنّ الإنسان مقيد بقدرة الله وقوته حيث أنّ شدّ أسره بيده (وبهذا تجتمع معاني الأسر في الآية).
والذي يتفكّر في وجود الإنسان يجد أنّه أسير لله تكوينيّا وعمليّا ، فهو من جهة محكوم بقوانين تكوينية كالنمو والتنقل من مرحلة إلى أخرى قسرا عنه ، والدورة الدموية ودقّات القلب وحركة الجهاز الهضمي والكبد و.. و.. ، ومن جهة أخرى هو أسير تدبير الله وسننه في الحياة ، فلا يستطيع أن يقاوم الموت مثلا .. وقد وجدت إشارة إلى هذا التفسير لدى العلّامة الطباطبائي إذ قال : والآية في معنى دفع الدخل ، كأنّ متوهّما يتوهّم أنّهم بحبهم للدنيا وإعراضهم عن الآخرة يعجزونه تعالى ، ويفسدون عليه إرادته منهم أن يؤمنوا ويطيعوا ، فأجيب بأنّهم مخلوقون لله ، خلقهم وشدّ أسرهم إذا شاء أذهبهم وجاء بآخرين ، فكيف يعجزونه وخلقهم وأمرهم وحياتهم وقوتهم بيده؟! (١). وأظهر آيات أسر الله للبشر هو الموت الذي قهرهم به ، فهو يميتهم حيثما شاء وكيفما أراد ، ويأتي بغيرهم دون أن يقدر أحد على ردّ إرادته ، إذ توحّد بالبقاء «وقهر عباده بالموت والفناء» (٢).
(وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً)
أي جئنا بآخرين أمثالهم بديلا عنهم ، بإهلاكهم ، أو بجعلهم الحاكمين. وإنّما ذكرت كلمة الأمثال هنا ـ وفي موارد متشابهة ـ للإشارة إلى صفاتهم وأنّ من كان بصفة العجز والضعف والمحدودية ـ أمثال هؤلاء ـ لا يعجزون الله شيئا ،
__________________
(١) الميزان / ج ٢٠ ص ١٢٣.
(٢) دعاء الصباح (مفاتيح الجنان).