وبالرغم من أنّ القرآن يوجّهنا إلى مشاهد ذلك اليوم الأخروي ومصير المكذّبين فيه ، كعلاج لموقف التكذيب بحقائق المستقبل عند الإنسان ، إلّا أنّه لا يكتفي بذلك بل يدعونا إلى الإعتبار بعاقبة المجرمين الآخرين بعد الأولين ، فإنّ المتفكر في هذا الأمر يهتدي إلى واقعية سنّة الجزاء ، وذلك بدوره يهديه إلى واقعية الآخرة باعتبارها التجلّي الأعظم والأشمل لها في واقع الحياة «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» (الآيات ١٦ ـ ١٩).
ويربط القرآن بين خلقة الإنسان وبين حقيقة الآخرة ، وذلك أنّ خلقته بما فيها من أطوار وتقديرات تكشف عن حكمة الخالق (وأنّه لم يخلق الخلق عبثا ، ولن يتركهم سدى) والتي لا تكتمل من دون الإيمان بالآخرة التي هي عنوان الحكمة الإلهية ، ومنتهى الإنسان وغايته التي تقتضيها تلك الحكمة ، كما تقتضي العذاب الأليم للمكذبين بالحق (الآيات ٢٠ ـ ٢٤).
ومن رحلة الإنسان في آفاق نفسه ينطلق به السياق إلى آفاق الكون من حوله بموجوداته وظواهره ، حيث جعل الله الأرض كفاتا تضمّه حيّا وميّتا ، وجعل فيها جبالا راسية بأصولها في الأرض شامخة بقممها في آفاق السماء ، وسقانا منها ماء فراتا سائغا للشاربين ، وكلّ ذلك آيات لحكمة الله ، وعلامات تهدي إلى ذلك اليوم ، فالويل للمكذّبين به (الآيات ٢٥ ـ ٢٨).
ولقطع دابر التبرير والكيد ، اللذين يتخذهما الكاذبون وسيلة لكذبهم ، ويصوّر السياق عاقبة الكذب ، إذ يأتي النداء الإلهي إلى المكذّبين في حال تكاد الحسرة تهلكهم لو لا مشيئته تعالى ؛ يقال لهم : «انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ» يعني جهنم وعذابها «انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ» وحيث النار «تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ» فويل يومئذ للمكذّبين من