يعلمه تعالى ، فقد يكون قدره أن يصبح ذكرا أو أنثى أو بينهما ، أو يخرج تامّا أو معيبا ، أو حيّا أو ميتا ، ثم إذا خرج إلى الحياة الدنيا فإنّه يتحرّك وفق أقدار يعلمها الله ، وإلى مصير محدّد ، ربما يكون السعادة والجنة ، وربما يكون الشقاء والنار ، أو يكون الفقر والصحة ، أو الغنى والمرض ، أو .. أو .. ، ولا تعني الآية أنّ كلّ إنسان يأتي إلى الحياة الدنيا ليعيش ضمن أقدار محدّدة يجبر عليها ، بل هي تكشف عن علم الله المطلق بما يؤول إليه من خير أو شر. وقوله : «معلوم» يفيد التحديد من جهة ، والإطلاق من جهة ثانية ، فأمّا التحديد فإنّ مسيرة الإنسان في وضعها الطبيعي والنسبي محكومة بمعطيات وأقدار محدّدة يمكن لنا معرفتها عبر العلم والتجربة ، كميعاد الولادة وما أشبه .. ، وأمّا الإطلاق فإنّ العلم اليقين بكلّ شيء وبالذات بعض الأمور فهو لله وحده يقدّره ويعلمه ، بحيث لا يستطيع بشر تحديده ومعرفته.
(فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ)
قال ابن جرير : فملكنا فنعم المالكون ، وعن الضحّاك قال : فخلقنا فنعم المالكون (١) ، وفي التبيان : معناه فقدرنا من القدرة فنعم القادرون على تدبيره (٢) ، وفي مجمع البيان : أي قدرنا خلقه كيف يكون قصيرا أو طويلا ، ذكرا أم أنثى ، فنعم المقدّرون نحن ، ويجوز أن يكون المعنى إذا خفّف (لأنّ المفسرين قرءوها بالتخفيف والتثقيل) من القدرة ، أي قدرنا على جميع ذلك فنعم القادرون على تدبير ذلك ، وعلى ما لا يقدر عليه أحد إلّا نحن ، فحذف المخصوص بالمدح (٣) ، وهذا ما احتمله العلّامة الطباطبائي في الميزان وقال : من القدرة مقابل العجز ، والمراد فقدرنا على جميع ذلك (٤).
__________________
(١) الدر المنثور / ج ٦ ص ٣٠٦.
(٢) التبيان / ج ١٠ ص ٢٢٨.
(٣) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٤١٧.
(٤) الميزان / ج ٢٠ ص ١٥٣.