وعرّفك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك؟» (١) ، والملاحظ استخدام الإمام في الأفعال صيغة البناء للمجهول (المنشأ ، بدئت ، وضعت ، أخرجت) وكذلك هداك وعرفك ، والهدف هو التأكيد على الإرادة الإلهية في الخلق.
ثم أنّ خلقة الإنسان لا تتحرّك في الفراغ ولا على أساس الصدفة ، إنّما هي قائمة على الحكمة الدقيقة ، والتدبير الإلهيّ المتين ، حيث القوانين التي تجلي إرادة الله وحكمته للمتدبّر ، فالجنين لا ينمو ولا يمكث بلا قدر ولا قانون في بطن أمه ، بل كما وصف الله تعالى :
(إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ)
وحيث يخرج يكون مهيّئا لممارسة الحياة خارج الرحم ، وتكون أمّه مستعدة نفسيّا وبدنيّا لاستقباله وهكذا عائلته. قال الزمخشري : إلى مقدار معلوم ، قد علمه الله وحكم به وهو تسعة أشهر أو ما دونها أو ما فوقها (٢) ، وقال القمّي : منتهى الأجل (٣). وحين يحلّ الأجل فإنّ الأم لا تستطيع أن توقف التحول النفسي والبيولوجي الذي يحدث في كيانها وتوقف حركة الجنين باتجاه الخروج ، كما لا يملك الجنين نفسه من أمره شيئا ، بل هي الإرادة الإلهية وحدها تصنع ما تشاء وتتسع كلمة القدر إلى معاني عدّة نجملها في إثنين :
الأول : المقدار والحدّ ، فيكون المعنى أنّ الجنين من الناحية النفسية والعضوية وهكذا الزمنية محدّد بمقادير ومقاييس إلهية حكيمة يعلمها عزّ وجلّ.
الثاني : القدر والمصير ، فقد جعل الماء في قرار مكين لكي ينتهي إلى قدر إلهيّ
__________________
(١) نهج البلاغة / خ ١٦٣.
(٢) الكشاف / ج ٤ ص ٦٧٩.
(٣) تفسير القمّي / ج ٢ ص ٤٠٠.