فقال : «هذه كفات الأحياء» ثم تلا قوله : «الآيتين» (١) ، وفي مجمع البيان : كفت الشيء يكفته كفتا وكفاتا إذا ضمّه ، ومنه الحديث : «اكفتوا صبيانكم» أي ضمّوهم إلى أنفسكم ، ويقال للوعاء : كفت وكفيت ، وقال أبو عبيده كفاتا : أي أوعية (٢) ، وعن قتادة ومجاهد والشعبي : أي تحوزهم وتضمّهم (٣) ، والأرض وعاء وسكن للخلائق تضمّ الناس الأحياء والأموات ، سواء بالمعنى الظاهر أو بالمعنى المجازي للكلمة حيث المؤمنين والكفّار ، والعلماء والجهلة.
(وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ)
قال القمي : جبال مرتفعة (٤) ، ولعلّ الآية تبيّن حقيقة جيولوجية وهي أنّ للجبال قمّتين : قمّة راسية في أعماق الأرض كقاعدة البناء ، وقمّة صاعدة شامخة في آفاق السماء.
(وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً)
وهناك علاقة بين الحديث عن الجبال وبين الحديث عن الماء الفرات ، فإنّ أفضل المياه وأعذبها ما تتفجّر به ينابيع الجبال ، وما ينحدر منها إلى جوف الأرض وسفوحها وأنهارها.
قال الإمام علي ـ عليه السلام ـ يصف الأرض : «فلمّا سكن هيج الماء من تحت أكنافها ، وحمل شواهق الجبال الشمّخ البذّخ (الطاغية في الارتفاع) على أكتافها ، فجّر ينابيع العيون من عرانين أنوفها (العرنين : ما صلب من عظم
__________________
(١) تفسير القمي / ج ٢ ص ٤٠٠.
(٢) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٤١٦.
(٣) المصدر / ص ٤١٧.
(٤) تفسير القمي / ج ٢ ص ١٣٢.