الأنف ، والمراد أعالي الجبال) ، وفرّقها في سهوب بيدها (جمع بيداء وهي الصحاري) وأخاديدها ، وعدّل حركاتها (يعني الأرض) بالرّاسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب (القمم) الشّمّ من صياخيدها ، فسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع أديمها ، وتغلغلها متسربّة في جوبات خياشيمها (الجواب : الحفر ، والخياشيم : منفذ التنفّس) ، وركوبها أعناق سهول الأرضين وجراثيمها (المنحدرات) ، وفسح بين الجوّ وبينها ، ثم لم يدع جرز الأرض التي تقصر مياه العيون عن روابيها ، ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها ، حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها ، وتستخرج نباتها ..» (١) ، وقال الإمام الصادق (ع) : «انظر يا مفضّل إلى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة ، التي يحسبها الغافلون فاضلا لا حاجة إليها ، والمنافع فيها كثيرة ، فمن ذلك أن يسقط عليها الثلوج فيبقى في قلالها لمن يحتاج إليه ، ويذوب ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها الأنهار العظام ..» (٢).
وجعل الله الأرض كفاتا ، وجعله فيها الجبال الراسية الشامخة ، وسقينا بها الماء الفرات من ينابيع مخازنها ، وذو بان ما تقلّه من الثلوج ، كلّها نعم إلهية تستوجب الشكر والحمد له ، ومن شكره اتباع رسله ورسالاته ، إلّا أنّ الإنسان غالبا ما لا يفعل ذلك ، بل تراه كفورا مكذّبا ، ويل له يوم القيامة من شديد العذاب على قلّة حمده ، ومقابلته إحسان ربه بالتكذيب.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)
من غضب الله وعذابه ، فإنّ غضبه عليهم وتكذيبهم لرسله وكتبه يستحيلان في الآخرة ألوانا من العذاب الذي لا يطاق ، ينطلقون إليه بزجر خزنة جهنم ومقامع من
__________________
(١) نهج البلاغة / خ ٩١ ص ١٣٢.
(٢) موسوعة بحار الأنوار / ج ٣ ص ١٢٦.