هذه القمم السامقة ، وتلك السفوح المنبسطة ، وهذه الشبكة من الصخور التي تتصل ببعضها من فوق الأرض ومن تحتها. إنّها تحصّن الأرض كما الدروع السابغة. أفلا نبصر آثار القدرة ولمسات الحكمة على الطبيعة من حولنا؟ فسبحان الله وتعالى عن العبث واللغو.
[٨] وإذا عدنا إلى الأنظمة التي تسود حياتنا أبصرنا المزيد من آثار القدرة والحكمة فيها ، فهذه سنّة الزوجية التي تكشف من جهة مدى حاجتنا إلى بعضنا ، كما تعكس من جهة ثانية حسن تدبير الخالق ، ودقّة تنظيمه.
(وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً)
لو كنا قد خلقنا أنفسنا لكنا جعلناها أكمل وأقوى منها الآن ، مثلا ربما لم نوجد فيها حاجة إلى الجنس الآخر أو إلى الطعام والشراب والراحة والسكن وما أشبه. ولو أوجدتنا الصدفة لم نجد فيها هذا التكامل مما نجده مثلا بين الزوجين ، تكاملا في الروح والجسد ، في الغرائز والشهوات والحاجات حتى اغتدى كل جنس سكنا للجنس الآخر يجد فيه ما يفتقر إليه ، قال سبحانه : «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» (١).
[٩] وبمناسبة الحديث عن الزوجة وعن السكن الذي توفّره يذكّرنا الرب بنعمة النوم الذي هو نوع من السكن ، يهيمن على ذرأت وجودنا ويقطعها عن التفاعل المجهد مع المحيط ، ويبسط على أرجاء الجسد غلالة من الهدوء والراحة.
(وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً)
ويبدو أنّ معنى السبات هو الفراغ الموقّت أو التعطيل وقطع تيّار النشاط.
__________________
(١) الروم / ٢١.