ومن أعظم تلك التحدّيات والضغوط ما يقوله الأعداء ضد المؤمنين وبالخصوص قيادتهم ، وذلك أنّ الاعلام السلبي من أهمّ أسلحتهم الخطيرة التي يوجّهون حرابها ضدهم ، فإذا بهم يسعون لتشويه سمعة الرساليين ، وعلى المؤمنين أن يواجهوا ذلك بالصبر والهجران الجميل.
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)
والهجر الجميل هو المقاطعة بحكمة ، وبعيدا عن الإثارة ، لأنّ الهجر حينما يخرج عن سياق الحكمة قد يتحوّل إلى صراع ماديّ حادّ في ظروف غير مناسبة ، ممّا يضر أكثر ممّا ينفع ، قال الفخر الرازي : الهجر الجميل أن يجانبهم بقلبه وهواه ، ويخالفهم مع حسن المخالفة والمداراة والإغضاء ، وترك المكافاة (١).
إنّ الإسلام يريد للإنسان أن يبني شخصيته ومواقفه على أساس الاستقلال ، فلا يتأثّر بردّات الفعل كالكلام السلبي الذي يوجّه ضده ، بل يمضي قدما في تنفيذ خطّته الحكيمة التي رسمها لنفسه ، دون أن يستفزّه الآخرون ، ويسيّرونه حسب خطتهم ، ويفرضوا عليه ساعة المعركة وطريقتها وأرضها ، ومن هنا فإنّ الصبر لا يعني عدم اتخاذ الخطوات اللازمة تجاه تحديات الأعداء ، بل يعني الانتظار حتى تحين الفرصة المناسبة حسب الخطة المرسومة ، وكلّ ذلك يوفّره قيام الليل والتوكّل على الله.
والتعبير القرآني دقيق للغاية حيث قال تعالى : «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ» أي أنّ ما يقوله الآخرون لا ينبغي أن يزلزل الرساليين عن مواقفهم الصحيحة إلى غيرها ، فقد يصعّد المستكبرون والمترفون حربهم الإعلامية ضدّ قيمة من القيم الإلهية كالحجاب على أساس أنّه لون من ألوان الإرهاب ، وهكذا الجهاد من أجل التحرّر
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ١٨٠.