[٢٣] ولكن الإنسان الذي أسبغ عليه الرب كل هذه النعم لا يزال متحديا قدرته وسلطانه ، ولا يزال يتمرد على أوامره ولا يقضيها.
(كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ)
ما ذا تعني «كلّا»؟ يبدو أن معناها هنا وفي سائر مواقع استخدامها الإيذان بوقوع ما لا ينبغي ، ولا يتوقع العقل بعد سرد تلك النعم إلّا ان يكون الإنسان في منتهى التسليم لربه وفاء لبعض دينه ، ولكن العكس تماما هو الذي يقع.
اما كلمة «لمّا» فتعني النفي مع التوقع ، أو نفي ما كان متوقّعا ، وكلاهما صحيح في هذا السياق ، إذ يرجى تطبيق الإنسان لأوامر الرب ، كما أن عدم التطبيق خلاف ما كان منتظرا.
[٢٤] ويعود السياق الى جملة نعم الله على الإنسان التي تهديه الى قدرته وحكمته ورحمته ، فهذا الماء تحمله سحب الخير الى عنان السماء ثم تصبه على الأرض بسهلها وحزنها ليسقيها ، ثم تنشق الأرض عما يطعم الإنسان من ألوان الحبوب والثمار.
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ)
ليس فقط يعرف كيف وفره الله له ، وانما أيضا ليتعلم من مدرسة الخليقة كيف يستفيد منه. أليس كل هذه الطبيعة مسخرة لإطعامك ، ألا ترى في ذلك حكمة بالغة ، وقدرة قاهرة ، أولا يعني أن وراء هذه الطبيعة تقديرا وتدبيرا وحكمة ، وأن مراد ربك ان يسعدك ثم يهديك ثم يعدك لجنته؟! بلى. وصدق الامام الحسين عليه السلام حينما خاطب ربه قائلا :
«عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له في حبّك