قسما» (١).
فإذا نظرت الى الطعام بهذه الرؤية فانك تسمو من درجة التهام الطعام بشهية حيوانية الى مستوى التمتع به براحة نفسية ، وبشكر وامتنان ، وآنئذ لا يتغذّى به جسدك فقط ، وإنما روحك ونفسك أيضا. أليس الشكر والرضا غذاء النفس؟ وقد سن الإسلام آداب الطعام لهذا السبب ، فانك من قبل الطعام تقول : «الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، ويجير ولا يجار عليه ، ويستغني ويفتقر اليه ، اللهم لك الحمد على ما رزقتني من طعام وإدام ، في يسر وعافية من غير كد منّي ولا مشقة» وبعد الانتهاء من الطعام تقول : «الحمد لله الذي أطعمني فاشبعني ، وسقاني فأرواني ، وصانني وحماني ، الحمد لله الذي عرفني البركة ، واليمن بما أصبته وتركته منه ، اللهم اجعله هنيئا مريئا ، لا وبيا ولا دويّا ، وأبقني بعده سويّا ، قائما بشكرك ، محافظا على طاعتك ، وارزقني رزقا دارّا واعشني عيشا قارّا ، واجعلني ناسكا بارّا ، واجعل ما يتلقاني في المعاد مبهجا سارّا ، برحمتك يا أرحم الراحمين» (٢)
وحين ينظر الإنسان الى الطعام نظرا عميقا يعرف أن ليس كل الطعام صالحا لكل وقت ، فلا بد أن يميّز بين الضار منه والنافع ، الجيد والردي ، والحلال والحرام ، فلا يأكل إلّا ما ينفعه وما يحل له ، وبقدر انتفاع جسده منه ، لذلك قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «لا تموّتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فان القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء» (٣)
وفي الحديث عن الإمام علي ـ عليه السلام ـ : «من أكل الطعام على النقاء ، وأجاد تمضّغا ، وترك الطعام وهو يشتهيه ، ولم يحبس الغائط إذا أتى لم يمرض الّا
__________________
(١) مفاتيح الجنان ـ دعاء عرفة.
(٢) مكارم الأخلاق ص ١٤٢ ، ونقله مستدرك وسائل الشيعة ج ٣ / ص ٩٣.
(٣) مكارم الأخلاق ص ١٥٠.