والحرية تبدأ من حرية العقيدة ، وانه سبحانه أبى أن يفرض الحق على البشر فرضا ، وأبى لعباده أن يكرهوا بعضهم عليه ، أولم يقل سبحانه : «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (١) ، وانما يكرم الإنسان ويستحق الجزاء الأوفى إذا آمن بحريته أما إذا أكره على الإيمان فلا جزاء له ولا كرامة.
(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ)
على الطريقة ، استقامة تتحدى ميول النفس ، وضغوط المجتمع ، وتضليل الشيطان وأبواقه ، وإرهاب السلطات وإغرائها.
[٢٩] والمشيئة أنفس جوهرة عند الإنسان ، وهي موهبة إلهية ، ولو لا أنّ الله وهبه هذه الموهبة لم يكن البشر إلّا واحدا من هذه الأحياء المتواجدة على الأرض ، وهكذا فلا أحد يستطيع أن يفتخر بهذه الموهبة ، ويزعم أنه مقتدر من دون الله ، ومن جهة ثانية : إن الإيمان نور إلهي يقذف في القلب بعد أن يشاء الفرد ذلك ، ويزكي قلبه لاستقبال نور الإيمان.
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)
وهكذا تذكّرنا هذه الآية بأن لا جبر ولا تفويض ، وإنّما أمر بين الأمرين ، فالإنسان حر مختار بما وهب الله له من قوة المشيئة ، ولكنّه لا يختار الحق بالتالي إلّا بتوفيق الله سبحانه.
__________________
(١) يونس / ٩٩.