الغفلة والجهل لعلها تعود إلى ذاتها وتفكر في أمرها.
[٢٧] وفي القرآن صفتان تشهدان على صدقه :
الاولى : أنه يتوافق مع نور العقل لأنه يقوم بإيقاظه من سباته ، فإذا بالعقل يكتشف الحقيقة بنفسه ، ويكون مثله مثل من كان يعرف شيئا فنسيه ، فإذا ذكّر به عاد يعرفه ، فمعرفته آنئذ تكون بذاته ، وإنّما دور المذكر تنبيهه وتبصيره ، وإذا لا يحتاج الى حجة لكي يعرف أن الذي ذكّره كان ناصحا له ومحقا.
ومثل آخر إذا كنت تبحث عن الهلال فلا تجده فأشار صاحبك اليه ، فلما نظرت إليه رأيته فهل تحتاج إلى دليل يهديك الى صدق صاحبك؟ كلا .. إن أكبر برهان على أنه حقّ هو أنّه هداك إلى الحق فعرفته بنفسك ، كذلك القرآن ذكر ، ومعنى الذكر : أنه ينبه العقل الى مكنوناته فإذا به يكتشفها بنفسه ، فيعرف أنه حق.
الصفة الثانية : عالمية القرآن التي تهدينا إلى أنه من ربّ العالمين ، ذلك أنّ الشيطان يفرق الناس بألوانهم ولغاتهم وقوميّاتهم ؛ لأنه يدعو الى المصالح المادية ـ وهي مختلفة ومتضاربة ـ بينما الوحي الإلهي يساوي بين عباد الله ، أوليسوا جميعا خلقه ، وهو يدعو إلى الحق ، وهو غير مختلف من أرض لأرض أو قوم لآخر؟! هكذا قال ربنا :
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)
[٢٨] ومن صفات الوحي تأكيده على حرية الإنسان في اختياره. أولم يقل ربنا : «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ» (١)؟!
__________________
(١) البقرة / ٢٥٦.