وليس في حدوث هذا اليوم شك وتردّد ، لأنّه ممّا وعده الله الوفيّ المقتدر ، وهذا ما يجعل التعبير عن وقائع القيامة يأتي بصيغة الماضي في الأغلب وكأنّها وقعت.
(كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً)
إذن فالأمر ليس كما يتمنّى الإنسان ، ولا كما يضلّه الشيطان الغرور بأنّ وعوده تعالى للتخويف فقط ، كلّا .. فوعود الله صادقة وواقعة لا محالة ، ولا بأس أن نشير هنا إلى أنّ بعض الفلسفات الماديّة ذهبت في الضلال بعيدا حينما زعمت بأنّ الآخرة لا واقع لها ، وإنّما طرحتها الفلسفات الدينية لكي تكون عاملا في توجيه أتباعها نحو التقيّد بمبادئها لا غير! وهذه الآية الكريمة تردّ ردّا حاسما وناسفا على هذه الظنون والمزاعم الخاطئة بالتأكيد على أنّ وعد الله مفعول قطعا.
ثم يقول الله مشيرا إلى ما تقدّم من بيان الآيات الكريمة.
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ)
تذكّر الإنسان بالحق ، وتثير فيه العقل وكوامن الخير التي تهديه إلى ربّ العزة ، وترسم له الصراط المستقيم والنهج القويم إليه سبحانه .. فدور التذكرة إذا هو بيان الخطوط العامة ، ورسم معالم الطريق للإنسان ، لا فرض خيار معيّن كرها ، لأنّ الإختيار من خصائص الإنسان نفسه ، فهو الذي يريد الحق والباطل أو لا يريد.
(فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً)
قال الفخر الرازي : إنّ التذكرة ما تقدّم من السورة كلّها ، واتخاذ السبيل عبارة عن الإشتغال بالطاعة ، والاحتراز عن المعصية (١) ، واختار صاحب الميزان تعميم
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ١٨٥.