الشاعر :
ولقد جنيتك أكمأ وعساقلا |
|
ولقد نهيتك عن بنات الأوبر |
حيث كان في الأصل جنيت لك ، ويبدو لي أن حذف اللام هنا من بديع بلاغة القرآن ، حيث أن اللام توحي بالفائدة والنفع ، بينما لا منفعة لمن يكال لهم لأنهم يخسرونهم.
والتطفيف في المكيال والميزان كان شائعا ـ حسب التواريخ ـ في يثرب قبل هجرة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكانت هذه السورة أول سورة نزلت على قلب النبي (ص) في المدينة ، وأثّرت فيهم أثرا بالغا فاقتلعوا عن هذه العادة وأصبحوا من أحسن الناس مكيالا ، هكذا روي عن ابن عباس ، حيث أضاف : فلما نزلت هذه السورة انتهوا فهم أوفى الناس كيلا الى يومهم هذا.
وقد حاربت رسالات الله الفساد الاقتصادي في المجتمع بكلّ ألوانه ، والتطفيف واحد من أسوء أنواع هذا الفساد.
وقد حكى ربنا عن شعيب ـ عليه السلام ـ قوله : «أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (١).
ولكن هل الفساد الاقتصادي خاص بالتطفيف في الوزن والمكيال أم أنهما مجرد مثلين لما هو أعم واشمل؟ فالغش والاحتكار واستغلال طاقات الضعفاء ، واستثمار ثروات البلاد المتخلفة ، والابتزاز وسائر أساليب الكسب اللّامشروع كل
__________________
(١) الشعراء / ١٨٢.