وقد سبق أن قلنا وبتكرار ان معنى الظن ـ فيما يبدو ـ هو : التصور ، وفسرنا الآية التالية بذلك حيث قال ربنا : «قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» (١) وقوله : «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ» (٢).
حيث ان تصور البعث وما يعقبه من القيام للحساب أمام رب العالمين يكفي الإنسان رادعا عن كلّ سيئة ، وربما يوحي الى ذلك قول الامام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ في تفسير الإيمان حيث سئل عنه فقال : «الإيمان على أربع دعائم : ... فمن اشتاق الى الجنّة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات» (٣).
[٥] ثلاث حقائق متصلة ببعضها لو تمثلت أمام عين العاصي ارتدع واتّقى : البعث والساعة ، والقيامة. إنّ حياة الإنسان سجلّ ، يطوى اليوم ويكتب فيه بقلم الطبيعة ما يفعله ، فإذا نشر نشر معه سجله بالكامل ، فيا للفضيحة الكبرى يومئذ!
ثم الساعة وأشراطها يوم تبدّل الأرض غير الأرض ، وتطوى السموات كطي السجل للكتب ، فاذا لم يعمل اليوم لبلوغ الأمان من أهوالها فيا للخسارة العظمى!
اما قيام الناس أمام رب العالمين فإنه رهيب عظيم ، لا يسع الفكر تصور تلك اللحظة التي يتمثل هذا المخلوق المتناهي في الضعف والمسكنة أمام جبار السموات والأرض ، أولم تقرأ أنّ إسرافيل أعظم ملائكة الله يتضاءل امام هيبة الرب حتى يصبح كالوصع ـ كما ذكر في سورة التكوير آية ٢٣ ـ ، فمن أنا غير هذا العبد المسكين المستكين الضعيف الحقير امام رب العزة والعظمة؟!
__________________
(١) البقرة / ٢٤٩.
(٢) البقرة / ٤٦.
(٣) نهج البلاغة / خ ٣١.