وهذه الكلمة تأتي للإيحاء بعظمة ذلك الكتاب ـ حسب هذا المعنى ـ بلى. الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، الكتاب الذي يسجل حتى أنفاس الخلق ووساوس أفئدتهم ، ونيات أفعالهم ، الكتاب الذي يحيط بكل أفعال الفجار أنّى كانوا ، وأنّى عملوا. إنه كتاب عظيم.
[٩] (كِتابٌ مَرْقُومٌ)
وهكذا تكون هذه الآية تفسيرا للآية السابقة : أي سجين كتاب مرقوم ، كما قال ربنا سبحانه : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» والمرقوم بمعنى متجلّ بوضوح ، لأن أصل معنى الرقم الكتابة الغليظة ، وقيل : معناه مختوم ، وقيل : مكتوب كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى ، كل هذا التفسير قائم على أساس الافتراض بان السجين اسم للكتاب المسجل ، ويؤيده أن بعضهم قال : ان أصل سجّين سجّيل.
أما في غير هذا الافتراض فيكون تفسير هذه الآية : أن الكتاب الذي هو في سجين كتاب مرقوم ، لا تتشابه خطوطه ؛ لأنه كتاب واضح ، والله العالم.
وينبغي أن نختم حديثنا عن السجين بحديث يفيض عبرة ونصحا ، مأثور عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ في معنى السجين والأعمال ، والأشخاص الذي يهوون اليه ، قال ـ عليه السلام ـ : «مرّ عيسى بن مريم على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها ، فقال : أما إنّهم لم يموتوا إلّا بسخط ، ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا ، فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته! ادع الله ان يحييهم لنا ، فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها ، فدعا عيسى ربه ، فنودي من الجو أن : نادهم ، فقام عيسى بالليل على شرف من الأرض فقال : يا أهل هذه القرية! فأجابه منهم مجيب : لبيك يا روح الله وكلمته ، فقال : ويحكم : ما كانت أعمالكم؟