عادة والشر عادة ، ومن عوّد نفسه على الشر كيّف سلوكه وسائر تصرفاته مع تلك العادة ، وكان كدودة القز تنسج حول نفسها ما يقتلها .. أرأيت الذي يكتسب الحرام ، إما بالسرقة أو الغش أو التطفيف أو التعاون مع الظالمين أو العمل كجاسوس محترف للطغاة أو الأجانب ، أرأيته يتخلص من هذه المهنة وقد كيّف نفسه معها ، واعتمد عليها في رزقه اليومي؟!
لذلك ينبغي للرشيد ان لا يتبع الشيطان منذ الخطوة الأولى ، ولا يرتكب حتى الذنب الأول ، وإذا مر به طائف من الشيطان فخدعه عن دينه ، وارتكب ذنبا فعليه أن يتوب عن قريب ، ولا يتابع مسيرة الذنب ؛ فان الذنب بعد الذنب يفسد القلب ، ويبعد عن الإنسان توفيق التوبة.
هكذا روي عن الامام الباقر ـ عليه السلام ـ أنه قال : «ما من شيء أفسد للقلب من الخطيئة. إن القلب ليواقع الخطيئة ، فما يزال به حتى تغلب عليه ، فيصير أسفله» أعلاه ، وأعلاه أسفله قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ان المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منه ، وإن ازداد زادت ، فذلك الرين الذي ذكره الله تعالى في كتابه :«كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» (١).
من هنا ينبغي التوبة الى الله في كل يوم بل وفي كل ساعة حتى يمحى اثر الذنوب التي لا زلنا نمارسها قبل ان تترسخ في القلب فتفسده ، كما ينبغي التلاقي والتواصي بالحق والصبر ، والتناصح حتى تجلى الأفئدة من رينها ، هكذا أوصانا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيما روي عنه انه قال : «تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا ، فإن الحديث جلاء للقلوب. إن القلوب لترين كما يرين السيف
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٥٣١.