لا يصيب ما أمر به من القيام ، فقال سبحانه : «عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ» أي لن تطيقوا معرفة ذلك ، وقال الحسن : قاموا حتى انتفخت أقدامهم ، فقال : إنّكم لا تطيقون إحصاءه على الحقيقة ، وقيل معناه : لن تطيقوا المداومة على قيام الليل ، ويقع التقصير فيه (١).
(فَتابَ عَلَيْكُمْ)
أي رحمكم وتلطّف بكم ، لأنّ من تاب الله عليه فقد رحمه. وإذا أخذنا بالمعنى الأصيل للتوبة وهو الرجوع فإنّ المعنى : يكون : أنّه تعالى بدى له أمر فعادلكم وحيه بحكم آخر غير الحكم الأول الذي يقتضي قيام الليل كلّه إلّا قليلا ، أو الذي كان القيام فيه واجبا لا مستحبا (٢).
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)
وتأكيد الله على قراءة القرآن يهدينا إلى عظمته ، وأنّ تلاوته وتدبّر معانيه روح قيام الليل ومن أهمّ أهدافه ، حيث يعود الإنسان إلى كلام ربه وعهده إليه ، فيستلهم منه بصائر الحق ، ومناهج حياته في كلّ بعد وجانب. إنّ غاية قيام الليل هي تكامل الإنسان ، تكاملا روحيّا بالتهجّد والتبتل والصلاة ، وتكاملا عقليّا بالتفكّر في خلق الله وتدبّر آيات قرآنه .. نعم. إنّ الظروف قد لا تسمح بقيام الليل على صورته الأولية ، ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يترك قراءة القرآن على أيّة حال ، ولو قراءة ما تيسر منه. فما معنى قول الله : «ما تَيَسَّرَ مِنْهُ»؟
لقد اختلف المفسرون والقرّاء في القدر الذي تضمّنه هذا الأمر من القراءة ،
__________________
(١) المصدر.
(٢) مع أنّه لا توجد روايات صريحة بأنّ قيام الليل كان واجبا شرعيا على المسلمين في أول الدعوة ، إلّا أنّه محتمل ، أو هكذا استقبلوه ثم تبيّن لهم غير ذلك.