فقال سعيد بن جبير : خمسين آية ، وقال ابن عبّاس : مائة آية ، وقال السدّي : مائتا آية ، وقال جويبر : ثلث القرآن لأنّ الله يسّره على عباده (١) إشارة لقوله تعالى : «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ» (٢) ، وليس بين الأقوال الأربعة تناقض ، لأنّ ما تيسّر هو ما يجده القارئ يسيرا على نفسه ، سواء كان آية واحدة أو القرآن كلّه ، وإن كانت الكلمة في ظاهرها إشارة إلى القليل ، وقد ذهب البعض بعيدا حينما فسّروا الآية في الصلاة وقال معناه : فصلّوا ما تيسّر من الصلاة ، وعبّر عن الصلاة بالقرآن لأنّها تتضمّنه (٣).
وجدير التساؤل عن السبب في التيسير بعد التشدّد في منهجية التشريع الإسلامي ، الأمر الذي يكاد يصبح ظاهرة في أحكام الله لكثرة شواهده ، فقد فرض الله على المؤمنين تقديم صدقة بين يدي نجواهم الرسول (٤) ثم ألغيت الصدقة ، وحرّم عليهم مقاربة أزواجهم حتى ليالي الصيام ثم أحلّها (٥) وفي الجهاد فرضه واجبا إذا كانت نسبة المؤمنين إلى أعدائهم تعادل واحدا إلى عشرة ، أي أنّهم يجب عليهم الجهاد وخوض الحرب إذا كانوا مائة وكان العدو ألفا ، ثم خفّف الحكم بنسبة واحد إلى اثنين (٦) ، ومثل ذلك أحكام عديدة والتي من بينها قيام الليل الذي نحن بصدد الكلام عنه.
إنّ هذه الظاهرة في التشريع الإسلامي تهدينا إلى أنّ إصلاح الإنسان ـ وبالذات في الانطلاقة ـ بحاجة إلى برنامج مركّز وصعب حتى يصلح نفسه
__________________
(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨١.
(٢) القمر / ٤٠.
(٣) نقل هذا القول مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨١ وبه قال صاحب الكشاف والفخر الرازي.
(٤) المجادلة ١٢ / ١٣.
(٥) البقرة / ١٨٧.
(٦) الأنفال ٦٥ / ٦٦.