إصلاحا جذريّا ، كما المقاتل في دورته العسكرية الأولى ، فإذا ما استمرّ قطاره على السكة يخفّف عنه ، وهذه منهجية الإسلام في بناء أفراده ومجتمعة ، وإذا صحّ هذا التحليل فإنّنا يجب أن نستفيد من ذلك في حياتنا ومسيرتنا ، ففي بداية التغيير ينبغي أن تؤخذ الأمة بالشدة حتى تذوب في بوتقة الإيمان والعمل الرسالي ، ثم يأتي دور التخفيف عنها شيئا ما.
ويلفتنا القرآن إلى خصيصة تشريعية في الإسلام وهي واقعيته ، وأخذه ظروف المشرّع له بعين الإعتبار ، فهو ليس نظاما قسريّا ، بل تشريعا واقعيّا مرنا ، وذلك ممّا يؤكّد حقّانيته.
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)
يعيقهم مرضهم عن القيام ، أو يجعله أمرا مكلّفا. وهذه كناية عن المعوّقات البدنية التي تصيب الإنسان بالضعف.
(وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ)
طلبا للرزق. والضرب في الأرض كناية عن التنقّل والترحّل والسعي الحثيث ، وعلّل الرازي تخفيف الفرض على هذا الفريق ومن يلونهم (المقاتلين في سبيل الله) قائلا : وأمّا المسافرون والمجاهدون فهم مشتغلون في النهار بالأعمال الشاقّة ، فلو لم يناموا في الليل لتوالت أسباب المشقّة عليهم (١).
(وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)
إعلاء لكلمته ، وإنفاذا لأمره ، وتحكيما لشرعه ، ودفاعا عن ثغور المسلمين ،
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٨٧.