ان مجرد حضور المقربين عند الكتاب كرامة وشهادة منهم عليه ، ولذلك فإن الشهادة هنا تأتي بمعنى الحضور والتوقيع أما المقرّبون فهم ـ حسب الآية التالية ـ طائفة من البشر يأكلون ويشربون ، وهم الذين ذكرتهم آيات سورة الواقعة «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» وقد بين القرآن شهادتهم بقوله : «وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ» (١).
وقال بعضهم : انهم الملائكة المقربون ، وقيل إسرافيل ـ عليه السلام ـ خاصة ، بيد أن التفسير الأول أقرب الى السياق ، وهو يوحي بكرامة المقربين عند ربهم ، حيث جعلهم شهودا على كتاب الصالحين.
[٢٢] الكتاب مظهر بارز لمسؤولية الإنسان عن أفعاله ، أما المظهر الأجلى فانه النعيم المقيم للأبرار ، والجحيم الأليم للفجار.
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ)
تحيط بهم آلاء الله ، قالوا : لان كلمة «نعيم» جاءت بصيغة فعيل (صفة مشبهة) فانها تفيد الاستمرار ، ولأنها جاءت نكرة فهي تفيد الكثرة والتنوع ، ويبدو أن التعبير ب «لفي نعيم» هو الآخر يدل على الكثرة والتنوع.
[٢٣] لأن الإنسان روح وجسد فإنّ روحه تتطلع الى لذات خاصة بها بعد أن يتشبع الجسد بالنعم ، فما هي لذة الروح في الجنة؟ يبدو أنها تتمثل في مجالس المؤانسة والمعرفة ، فالحديث مع الأخوة الأصفياء يعطي النفس لذة عظيمة ، كما أن العلم غذاء شهي للروح والعقل.
(عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ)
__________________
(١) النحل ٨٩.