إنّ ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله ـ عز وجل ـ إن الله لا إله غيره إذا أراد خلقه قال للملك : اكتب رزقه وأثره ، وأجله ، واكتب شقيّا أو سعيدا ، ثم يرتفع ذلك الملك ، ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ، ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته ، فاذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان ، ثم جاءه ملك الموت ـ عليه السلام ـ فيقبض روحه ، فاذا أدخل حضرته ردّ الروح في جسده ، ثم يرتفع ملك الموت ، ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ، ثم يرتفعان ، فاذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فأنشطا كتابا معقودا في عنقه ، ثم حضرا معه : وأحد سائق والآخر شهيد ، ثم قال الله ـ عز وجل ـ : «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» قال : «حالا بعد حال» ثم قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم : «إنّ قدّامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم» (١).
وإذا تأملنا سياق سورة الانشقاق وتدبرنا آية الكدح فيها ، ولا حظنا هذه الرواية أيضا تبيّن لنا أن الجملة الأخيرة في هذه الرواية هي العبرة التي ينبغي أن نعيها من السورة ، ذلك أن عدوّ الإنسان هو حالة اللهو واللعب التي تنزع إليها نفسه ، فتسول له العبثية والغفلة أو الهروب من مواجهة الحقائق ؛ وانما ينساق البشر الى هذه الحالات بسبب غفلته عن نفسه وعما يراد بها ، وعن الأخطاء التي تنتظره. أفلا يفكر هذا المسكين أن الظلام يلف الضياء ، ويتسق القمر في السماء بدل قرص الشمس ، وأن التحول سنة يخضع لها كل شيء ، فهل يبقى بعيدا عنها؟!
وإذا لم نعتبر بالطبيعة حولنا أفلا نعتبر بتاريخنا الحافل بالتطورات ، فهذه الأمم كيف دار بها الزمن دورته ولعبت بها رياح التغيير طبقا عن طبق ، وحالا من بعد
__________________
(١) القرطبي ج ١٦ ص ٢٧٨ / ٢٧٩.