قبلكم قوم يقتلون ، ويحرقون ، وينشرون بالمناشير ، وتضيق عليهم الأرض برحبها ، فما يردّهم عمّا هم عليه شيء مما هم فيه من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذى ، بل ما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، فاسألوا ربكم درجاتهم واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم» (١).
وهكذا يفعل الإيمان بالقلب الإنساني فيجعله أقوى من زبر الحديد ، أثبت من الراسيات ، أسمى من القمم السامقة ، أشدّ صلابة من كلّ ما يبتدعه الطغاة من وسائل الأذى والتعذيب والقتل!!
وقد نتساءل : ما الذي جعل هذا الإنسان الذي لا يكاد يتحمّل أذى بقّة يقتحم النيران المتقدة بجسده النضّ ليحترق أمام أعين الناقمين والشامتين ، دون أن يتنازل عن إيمانه؟
أقول : أولا : إنّ وضوح الرؤية عندهم كان قد بلغ حدّا كانوا يعيشون (ببصائر قلوبهم) الجنة ونعيمها فيتسلون بها عن شهوات الدنيا ، ويعيشون (بتقوى قلوبهم) النار وعذابها فتهون عليهم مصائب الدنيا ومشاكلها.
وإنّنا نقرأ قصة الأم التي تردّدت قليلا باقتحام النار مع رضيعها فقال لها ابنها : يا أمّاه إنّي أرى أمامك نارا لا تطفأ (يعني نار جهنم) فقذفا جميعا أنفسهما في النار.
ثانيا : عند ما يقرّر الإنسان شيئا يسهل عليه القيام به ، وبالذات حينما يكون الأمر في سبيل الله يهوّنه الربّ له ، ويثبّت عليه قدمه ، ويرزقه الصبر على آلامه وتبعاته ، ويقوّى إيمانه ، ويشحذ بصيرته ليرى بها أجره في الآخرة .. وهكذا ترى عباد الله الصالحين يقاومون عبر التاريخ مختلف الضغوط ، ويتحمّلون ألوانا من
__________________
(١) المصدر.