وهكذا نهتدي إلى أنّ محور السورة ـ فيما يبدو لي ـ صراع الرسول مع مراكز القوة التي لا بد أن يتحدّاها بكلّ اقتدار.
ويعالج السياق طائفة من الأفكار الخاطئة التي يتشبّث بها المتسلّطون والمترفون لدعم مواقعهم القيادية ، منها الزعم بأنّه لو لا رضا الله عنهم لما أوسع عليهم نعمة.
إذا فما في يد الكفّار والطغاة من نعيم ليس دليلا على حبّ الله لهم ، ولا على صحة منهجهم في الحياة .. بلى. إنّ عندهم مالا ممدودا ، وأتباعا كثيرة وأبناء ، وممهّدة لهم وسائل العيش الرغيد ، الذي لا يشبعون منه ، بل يطمعون في زيادته .. ولكنّهم ضالون عن الصراط السوي ، جاحدون لآيات الله .. وبالتالي مستحقون لعذابه وانتقامه ، والمقياس السليم للتقييم ليس المادة ، بل القيم ، وليس الدنيا بل الآخرة ، والمترفون على عناد مع قيم الحق ، وخاسرون في الآخرة ، فهنالك لا يبقى لهم نعيم ولا أنصار ، ولا مقام احترام كما هم في الدنيا ، بل يتبدّل واقعهم إلى قطع من العذاب الأليم والمهين ، وتصبح كلّ نعمة أعطيت لهم وبالا عليهم حيث لم يؤدّوا شكرها .. فهم أشدّ الناس عذابا لأنّهم قد أملي لهم من فضل الله ، ومن آلم ما يلقون عذابا الصعود المرهق (الآيات ١١).
وليس إرهاقهم بالعذاب مجرد انتقام عبثي ، بل هو انتقام متأسس على الحساب الدقيق والحكمة والعدل ، فإنّك حيث تحقّق في سببه تجده منهجيتهم الخاطئة والضالة في الحياة ، والتي ترتكز على التفكير المنحرف والتقديرات الخاطئة .. فإنّها حقّا هي المسؤولية عمّا يحلّ بهم من اللعن والقتل والعذاب ، فهم الذين عبسوا وبسروا ثم أدبروا واستكبروا ، وكان هذا موقفهم من الحق قيما وقيادة وحزبا ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما رموا الحق بالتهم الرخيصة الباطلة ، فقالوا : «إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ» ، وقالوا : بل هو من صنع البشر وليس رسالة من الله .. من دون دليل إلّا