وفي خاتمة السورة يستنكر القرآن على المجرمين (الكفّار ومرضى القلوب) إعراضهم عن تذكرة الله لهم ورحمته المتمثلة في آيات وحيه الهادية ، مع أنّهم مستقبلون أمرا عظيما ونارا لا تبقي ولا تذر .. ولا خلاص لهم إلّا بالإقبال على التذكرة ، والعمل على ضوء بصائرها وهداها!! إنّهم حقّا يشبهون ـ حيث يعرضون عن آيات الله ـ قطيع حمر انقضّ عليه ليث لا يدرون قسورة إلى أين يفرّون منه ، وما الحيلة للخلاص .. والحال أنّ آيات الله على عكس ذلك جاءت لتأخذ بأيديهم إلى ساحل الأمن والرحمة والسعادة ، وأولى بهم أن يستقبلوها كما يستقبل الضمأى والمجدبون غيث السماء .. «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً» ولن يكون ذلك أبدا ، «بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ» وهذا في الحقيقة ـ أعني الكفر بالآخرة وعدم حضورها في وعي الإنسان ـ أكبر عامل في الانحراف ، وعدم الاهتمام بالتذكرة والتأثّر بها (الآيات ٤٩).
ويردّ القرآن على أباطيل المدبرين عنه والمستكبرين على الحق ، الذين قالوا : «إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ» ردّا موضوعيّا حاسما في آيات ثلاث (٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦) تبيّن في نفس الوقت دور القرآن بأنّه التذكرة بالله وبالحق ، وأنّ الإنسان مكلّف بالاستجابة لهداه ، ولكنّه غير مجبور على ذلك بل مخيّر ، وإن كان توفيق التذكّر والهداية لا يحصل «إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ» ومعرفة هذه الحقيقة أمر ضروري بالنسبة للإنسان ، لأنّها تحيي فيه روح التوكل على الله والتضرع إليه ، وتبعده عن الغرور الناشئ من الاعتماد على الذات.
خلاصة القول : إنّ الموضوع الرئيسي في السورة تصدي الرسول لمراكز القوى الجاهلية ، ولكنّها تعالج أيضا قضايا هامّة أخرى وهي : أنّ الغنى والقدرة وسائر نعم الله مجرد ابتلاء ، وليست دليلا على رضا الله عن أصحابها ، وأنّ الإنسان رهن سعيه ، وأنّ عليه هو أن يسعى نحو الهداية ، وأنّه لا يكره عليها إكراها.