وفي سياق الحديث عن الآخرة وعذاب سقر ينعطف بنا القرآن إلى آية مهمة في سورة ، بل في المنهجية الإسلامية بصورة عامة ، وذلك حينما يربط بين مستقبل الإنسان وحاضره وبين سعيه ومصيره ومؤكّدا بأنّه المسؤول عن نفسه ، فهو الذي بيده حبسها في العذاب كما بيده فك رهانها منه ، والدخول بها إلى جنّات الخلد والنعيم. ويضع الله الناس فردا فردا أمام حقيقة عظيمة ومهمة يجب أن يضعوها نصب أعينهم ، ويتحركوا في الحياة على إيحاءاتها ومستلزماتها .. ألا وهي أنّ الأنفس كلّها رهينة .. رهينة شهواتها وضلالها وقراراتها المنحرفة الخاطئة ، إلا أن يعتصم البشر بحبل الإيمان ويتبع منهجه فيخلّصها الله من سجنها الخطير ، كما صنع ويصنع بأصحاب اليمين (الآيات ٣٨).
ومن خلال حوار قصصي يدور بين أصحاب الجنة والمجرمين ـ ينقله القرآن ـ تبصّرنا الآيات الربّانية بأهمّ ركائز الجريمة التي تؤدّي إلى سقر والتي حذّرنا ربنا منها ، وبذلك يجيب القرآن على سؤال يفرض نفسه على كلّ من يعرف حقيقة سقر ، حيث يبحث عن النجاة من شرّها ، ويسعى لتجنّب أسباب التورّط فيها ، وهي أربعة أساسية كما يقرّ المجرمون أنفسهم : (عدم كونهم من المصلين ، وعدم إطعامهم المسكين ، وخوضهم مع الخائضين ، والتكذيب بالآخرة) وما ذا يرتجى لمن يوافيه الأجل ، ويلقى ربه على هذا الضلال البعيد والجريمة؟ (الآيات ٤٠).
ومن يتورّط في الذنوب الأربعة الكبيرة التي مرّ ذكرها فإنّ مصيره النار لا محالة ، لأنّه لا عمل صالح عنده ينجيه من العذاب ، ولن تدركه رحمة من الله وقد بارزه وحاربه ، ولن يشفع له أحد ، ولو استشفع له أحد ـ جدلا ـ فلن تنفعه شفاعة أبدا ، لأنّ الشفاعة تنفع من تكون مسيرته العامة في الحياة مسيرة سليمة ، ثم يرتكب بعض الذنوب والمعاصي .. وليس المجرمون كذلك (الآية ٤٨).