الدنيا والآخرة وليس العكس ، لأنّه المحتاج إلى الله والفقير لرحمته ، وإلى ذلك أشار القرآن بقوله تعالى : «قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (١). ثم إنّ المؤمن إنّما يعمل صالحا لينال ثواب الله ورضوانه ، والمنّ يبطل الأجر فلما ذا يمنّ على ربه؟ قال الإمام علي (ع) يوصي مالك الأشتر لمّا ولّاه مصر : «وإيّاك والمن على رعيّتك بإحسانك .. فإنّ المن يبطل الإحسان» (٢). ثم كيف يمنّ المؤمن على ربه وهو يعلم بأنّه لو لا فضله ورحمته لما صدر منه الإحسان ولما استطاع إليه سبيلا؟!
ولكلمة «تستكثر» معنيان يهتدي إليهما المتدبر :
الأول : لا تمنّ على الله باستكثار عملك ، قال الرازي : لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقّة كالمستكثر لما تفعله .. ونقل عن الحسن قوله : لا تمنن على ربك بحسناتك فتستكثرها (٣).
الثاني : لا تمنّ على الله فإنّ ذلك يزيدك عملا صالحا وأجرا بعد أجر ، فإنّ أصل المنّ هو القطع ، والذي يمنّ على ربه عمله في سبيله فإنّه لا يستزيد عملا ، والسبب أنّه حينئذ يشعر بالاكتفاء والإشباع فلا يجد حاجة تدعوه إلى المزيد من السعي والاستكثار من الخير. وعلى الصعيد الاجتماعي فإنّ المنّ على الناس يدعوهم إلى النفور من الداعية ، كما أنّ عدمه يدعوهم للالتفات حوله بكثرة. وما أكثر ما منع المن ولا يزال الخير والتكامل عن الكثير من الناس! أمّا المؤمنون المخلصون والواعون فإنّهم لا يمنّون على الله أبدا لعلمهم بأنّ الإنسان مهما عمل صالحا فإنّه قليل بالنسبة إلى أهدافه ، وبالنسبة للجزاء الذي سوف يؤجره ربّه به على
__________________
(١) الحجرات ١٧.
(٢) نهج البلاغة كتاب ٥٣ ص ٤٤٤.
(٣) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٩٤.