رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» (١) ، فالصبر إذن ليس له حدّ كما يزعم البعض الذين يبرّرون هزيمتهم وتراجعهم ، بل يجب أن يصبر المؤمن ويصبر حتى يلقى ربه.
الثالث : أن يصبر لحكم ربه ويسلّم لقضائه بعد أن يقوم بما ينبغي عمله ثم يترك الأمر لله يقدّر فيه ما يشاء ، وهذا معنى التسليم لله والتفويض إليه ، وهو درجة عالية من اليقين تضمّد جراحات الداعية ، وتطمئنه بأنّ الله ليس بغافل عما يلاقيه ، وهو رقيب على كلّ شيء ، وسوف ينتقم في المستقبل من أعدائه ، وتتضمّن الآية تحذيرا موجّها إلى الكفّار والمعاندين بالانتقام ، وهذا ما يفسّر العلاقة بينها وبين الآيات القادمة.
[٨ ـ ١٠] (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)
في المنجد : الناقور جمعه نواقير ، وهو العود أو البوق ينفخ فيه ، والنقر هنا بمعنى النفخ ، وكانت هذه الآلة تستخدم قديما لجمع الناس والجيوش في المناسبات ، والذي يقصد بالناقور في هذه الآية الصور ، الذي ينفخ فيه إسرافيل مرّة فيصعق من في السموات والأرض ، وأخرى فيبعثون للحساب والجزاء ، وهو كهيئة البوق. وقد اختلف المفسرون في النفخة هذه هل هي الأولى أو الثانية ، فقوّى صاحب التبيان كونها الأولى ، وقال : قيل : أنّ ذلك في أول النفختين ، وهو أول الشدة الهائلة (٢) ، وقيل : أنّها النفخة الثانية (٣).
والأقرب عندي حمل النقر على الإطلاق ، فإنّ كلا النفختين عسيرتان على الكافرين ، فأمّا الأولى فإنّها تسلبهم ما في أيديهم من نعيم وحياة ، وأمّا الثانية
__________________
(١) الحجر ٩٩.
(٢) التبيان ج ١٠ ص ١٧٤.
(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٥.