(وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً)
قال في المنجد : مهّد الفراش : بسطه ووطّأه ، والأمر سوّاه وسهّله وأصلحه ، وتمهّد الرجل : تمكّن ، والمهدة جمعها مهد وهي ما انخفض من الأرض في سهولة واستواء (١) بحيث يتمكّن الناس من المشي عليها بسهولة وراحة. وعلى مثل هذا أجمع المفسرون ، قال الرازي : أي وبسطت له الجاه العريض والرياسة في قومه ، فأتممت عليه نعمتي المال والجاه ، واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا ، ولهذا يدعى بهذا فيقال : أدام الله تمهيده ، أي بسطته وتصرّفه في الأمور (٢) ، ومن التمهيد صحة البدن وراحة البال وما أشبه. والمفعول المطلق «تمهيدا» يفيد التأكيد والمبالغة في الاستغراق.
وكانت هذه النعم داعية إلى الشكر والإيمان لكلّ عاقل وصاحب ضمير حي ، فهي بمثابة عامل يعبّد طريق الهداية للإنسان ويمهّده له لو تفكّر وعقل ، ولكنّ الوليد كان مريض القلب ، ولذلك كان يزداد ضلالا وإصرارا على الكفر بنسبة طردية كلّما توالت عليه النعم ، والسبب أنّ غير المؤمن يقف عند حدّ الدنيا ، وتسيطر عليه الروح المادية بحيث يصبح جمع حطامها هدفا بذاته ، فإذا به يفكّر في الاستزادة بدل العمل على الشكر لصاحب النعمة.
(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ)
أمّا المؤمن فإنّه يتطلّع عند كلّ نعمة إلى توفيق الشكر وأداء حقّها لله وإلى الناس ، وصدق رسول الله (ص) حينما قال في حقّ طالب الدنيا : «منهومان لا يشبع طالبهما : طالب العلم ، وطالب الدنيا» (٣) «فاما طالب العلم فيزداد رضى
__________________
(١) المنجد مادة مهد بتصرف.
(٢) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ١٩٩.
(٣) كنز العمّال ح ٣٨٩٣٢.