القناة فلن يجني من تفكيره وتقديره سوى الضلال والعذاب ، ويسمّى ذلك بالمكر وهي حيل الشيطان ، وهكذا الفكر ، وذلك أنّه سلاح ذو حدّين ، يكون تارة لصالح صاحبه وخير البشرية إذا كان قائما على أساس العقل ، ويكون أخرى أداة لدمارها ووسيلة لإشعال الحروب ، كما تفعل خبرات القوى الاستكبارية في هذا العصر.
إنّ الإنسان قادر على نيل الحياة بالتفكير والتقدير إذا اختار مسبقا هدفا نبيلا واتخذ فكره وسيلة لتحقيقه ، فالمهم ليس أن تفكّر وتقدّر بل الأهم لما ذا تمارس التفكير والتقدير ، وإلى ذلك يوجّهنا القرآن بطرح السؤال : «كيف قدّر» مكرّرا؟
ويصف عليّ بن إبراهيم القمّي حالة الوليد عند ما فكّر وقدّر ويقول : نزلت في الوليد بن المغيرة وكان شيخا كبيرا مجرّبا من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول الله (ص) ، وكان رسول الله (ص) يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة ، فقالوا : يا أبا عبد الشمس ما هذا الذي يقول محمد أشعر هو أم كهانة أم خطب؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله (ص) فقال : يا محمد أنشدني من شعرك ، قال : «ما هو شعر ، ولكنّه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه» فقال : اتل عليّ منه شيئا ، فقرأ رسول الله (ص) حم السجدة ، فلمّا بلغ قوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا) (يا محمّد أعني قريشا) (فَقُلْ) (لهم) (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فاقشعرّ الوليد ، وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته ، ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك ، فمشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم إنّ أبا عبد الشمس صبا إلى دين محمد أما تراه لم يرجع إلينا؟ فغدا أبو جهل فقال له : يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا وأشمتّ بنا عدوّنا وصبوت إلى دين محمد ، فقال : ما صبوت إلى دينه ، ولكني سمعت منه كلاما صعبا تقشعرّ منه الجلود ، فقال أبو جهل : أخطب هو؟ قال : لا. إنّ الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور