وتمثيلها لما فيه.
ولأنّ سبيل الكتاب قويم وقائم على التوازن بين السلب والإيجاب فإنّه يؤكد صدق آياته «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ* نَذِيراً لِلْبَشَرِ» وذلك مباشرة بعد أن يسفّه مزاعم الكفار حول الرسالة ، مؤكّدا بأنّ الموقف منها هو العامل الرئيسي في تقدّم البشرية أو تأخّرها ، وذلك أنّ النفس البشرية رهينة في سجن الجهل والظلم والهوى والشيطان و.. و.. وسعيها لا يزيدها إلّا ارتهانا وقيودا على قيودها ، إلّا أن تفك رهانها وتصلح سعيها بالسير على هدى ذكر الله ونذيره للبشر وهو كتابه الكريم ، كما فك رهانهم به أصحاب اليمين (الآيات ٣٥).
ومن خلال حوار بين هذا الفريق المفلح وبين المجرمين الذين سلكوا سقر المحرقة والمخزية يبيّن لنا القرآن معالم الطريق إليها ، فهي وإن كانت في الآخرة دركة من النار إلّا أنّها منهجية عملية في الدنيا تتمثّل في ترك الصلاة ، وعدم مساعدة المحتاجين والضعفاء ، والخوض مع الخائضين ، والتكذيب بالآخرة ، ولقاء الله على هذا الضلال البعيد ، والذي لا ريب أنّ أحدا لا يشفع لصاحبه عند الله ، بل لا تنفعه فيه شفاعة الشافعين (الآيات ٤٠).
ويستنكر ربنا على الكفّار حماقتهم واستحمارهم بالإعراض عن التذكرة التي جاءت لإنقاذهم من سقر الجهل والتخلف والضلال في الدنيا ومن سقر النار في الآخرة ، ولكنّ هزيمة الإنسان أمام هوى نفسه وهمزات الشيطان ، وعدم حضور الآخرة في وعيه ، هما اللذان يدفعانه إلى الإعراض عن التذكرة المبينة (الآيات ٤٩).
ولأنّ المقياس السليم لمعرفة الحق ليس موقف الناس ، بل معرفته بذاته ، فإنّ إعراض المجرمين عن القرآن لا يعني من قريب ولا بعيد أنّه باطل ، ولا يغيّر من