وكانت أرضهم خالية من الهوام والحشرات وغيرها فلا توجد فيها حية ولا عقرب ولا بعوض ولا ذباب ولا قمل ولا براغيث. وإذا دخل الغريب في أرضهم وفي ثيابه شيء من القمل أو البراغيث هلك من الوقت والحين وذهب ما كان في ثيابه من ذلك بقدرة القادر.
وأذهب الله تعالى جميع ما كانوا فيه من النعيم الذي ذكره في كتابه ولم يبق بأرضهم إلا الخمظ والأثل (٢٥٨) وهو الطرفاء والأراك وشيء من سدر قليل وقد قال الله تعالى : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ)(٢٥٩) وذلك بأنهم كفروا بنعمة الله تعالى وجحدوها فنزل بهم ما نزل من العذاب ، قال الله جل ذكره (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٢٦٠). وسبأ الآن خراب وكان بها قصر سليمان بن داود عليهما السلام ، وقصر بلقيس (٢٦١) زوجته ، وهي ملكة تلك الأرض التي تزوجها سليمان ، وقصتها مشهورة ، وبأرضها جبل منيع صعب المرتقى لا يصعد إلى أعلاه إلا بالجهد العظيم ، وفي أعلاه قرى كثيرة عامرة وبساتين وفواكه
__________________
(٢٥٨) الأثل : شجر طويل مستقيم ، أغصانه كثيرة التعقد وورقه دقيق وثمره حب أحمر لا يؤكل.
(٢٥٩) سورة سبأ : آية ١٦ ، الخمط كل نبت أخذ طعما من المرارة أو الحموضة وتعافه النفس ، وقيل أنه ثمر كل شجر ذي شوك (النباتات ، ص ٢٩).
(٢٦٠) سورة سبأ : آية ١٧.
(٢٦١) بلقيس : هي ملكه سبأ ، يقال أن أمها من الجن أرسل لها النبي سليمان الهدهد برسالة يدعوها للتوحيد. وكانت بلقيس وشعبها يعبدون الشمس. وفكرت في أن أفضل حل هو إرسال هديه لسليمان ، فقررت إرسال رسلها بالهدايا العظيمة له ولكنه رفضها وتعجب رسل بلقيس من حجم مملكه سليمان وجنوده من الإنس والحيوانات والطيور المختلفة. وقررت بلقيس أن تذهب له إلى مملكته حتى تتوصل معه إلى حل سلمى ، وبعد وصولها تفاجأت بأن عرش ملكها عنده. وأعد لها سليمان عليه السلام مفاجأة أخرى وكانت قصرا من البلور فوق الماء وظهر كأنه لجه فلما قال لها ادخلي الصرح حسبت أنها ستخوض اللجة ، فكشفت عن ساقيها ، فلما تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سرها ، قال : (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ)[النمل : ٤٤]. أعلنت الملكة بلقيس إسلامها وايمانها بالله وامن العديد من أبناء شعبها.