ولو علم بهلاك المريض لولا المعالجة ولو كان المريض نبيّاً ، بل لو سقطت كلمة من لسانه غفلة فيعالج به ولو هلك المريض ولو كان نبيّاً ، ولا يرضى بصدور الغفلة عنه ، بل الإنسان لا يرضى بالإمساك عن كلمة في مقام حكاية واقعة ولو كانت الكلمة موجبة لهلاك نفسٍ ولم يضرّ الإمساك بحاله بوجه من جهة مجرّد الميل إلى الاستيفاء في نقل الواقعة ، والظاهر بل بلا إشكال أن الله سبحانه أدرج جميع الفتن في قالب الإنسان بواسطة الابتلاء والافتتان وليس الإنسان إلّا كالسّبع الضعيف عنصره المتقلب حاله وخياله كل آن يهوى ، ولنعم ما في المثنوي :
ما همه شيران ولى شير علم |
|
حمله مان از باد باشد دم بدم |
فمع ما ذكر ما أشقّ رعاية التكليف في المعاشرات ولا محيد للإنسان عن المعاشرة.
ويرشدك إليه أيضاً : أنّ غالب أفراد الإنسان صرف الجنون ، وناهيك في الباب ما في الكتاب من أنّ كثيراً منهم : (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنُ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) (١) ، وفي كلام بعضٍ : إنّ عقل أربعين رجلاً يوازن عقل شاة ، ومن نظر في أحوال غالب أفراد الإنسان بعين البصيرة يصدِّق هذا المقال ، فوا شّدتاه ، ثمّ وا شدّتاه من مشقّة رعاية التكليف في المعاشرات.
ويرشدك إليه أيضاً : عداوة الأزواج والأولاد ، كما نصّ عليه في القرآن في قوله سبحانه : (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) بناءً على كون (من) زائدة ، حيث إنّ المقصود
__________________
(١) الأعراف ٧: ١٧٩.
(٢) التغابن ٦٤: ١٤.